ملتقى أهل العلم - عرض مشاركة واحدة - شروط لا إله إلا الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 29 / 01 / 2008, 21 : 07 AM   المشاركة رقم: 13
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ملتقى نشيط
الرتبة

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
مسلم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مسلم المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
افتراضي

شروط لا إله إلا الله
مثل شهادة التوحيد في القرآن الكريم
[الكاتب: أبو بصير الطرطوسي]

قبل أن نودع القارئ الكريم.. نعود به ثانيةً إلى الحديث عن لا إله إلا الله.. وعن فضلها.. وعن مثَلها كما جاء في القرآن الكريم.

قال تعالى: {ألم ترَ كيف ضرب اللهُ مثلاً كلمةً طيبةً كشجرة طيبةٍ أصلها ثابتٌ وفرعُها في السماء تؤتي أُكلها كُلَّ حينٍ بإذن ربها ويضربُ الله الأمثالَ للناسِ لعلَّهم يتذكرون} إبراهيم: 24.

وهو مثل ضربه الله تعالى للعباد ليستمعوه، ويفقهوه، ويتأملوه، ويعملوا بدلالاته ومراميه.. ومن الدلالات الذي أفاده هذا المثل العظيم الذي ضربه الله تعالى للعباد عن شهادة التوحيد:

1) طيب العطاء.. فكما أن هذه الشجرة الطيبة لا تعطي إلا طيباً.. فهي طيبة في ثمارها.. طيبة في ظلها وأوراقها.. طيبة في رونقها وما تضفيه من جمالٍ بديع على الطبيعة والكون.. كذلك الكلمة الطيبة.. كلمة التوحيد فهي لا تعطي ولا تجني على صاحبها وعلى الوجود كله إلا طيباً وخيراً.. خير الدنيا والآخرة.

بل هي التي تعطي للحياة معنى وقيمة.. فالدنيا من دون لا إله إلا الله لا قيمة لها ولا غاية شريفة.. وهي قاحلة مظلمة جدباء وإن بدت للعيان المغشي عليها غير ذلك!

2) وكما أن هذه الشجرة ثابتة ضاربة الجذور في الأرض وفي التاريخ لا يؤثر فيها الريح ولا العواصف.. ولا الزمن ولا الأيام.. بل الأيام لا تزيدها إلا ثباتاً ورسوخاً وعمقاً وشموخا.. كذلك كلمة التوحيد فهي ضاربة الجذور في قلب المؤمن الموحد.. أما من حيث الزمن والتاريخ فهي موجودة قبل الوجود.. يُغذي زرعها في الأرض الأنبياء والرسل والمجاهدون بالعرق والدم والجهاد، وبكل غالٍ ونفيس.

3) على قدر الثبات وعمق الجذور يكون العطاء ويكون الشموخ في السماء.. فكلما امتدت جذور الشجرة الطيبة في الأرض وتمكنت من شعابها وشروخها كلما كانت أقدر على امتصاص الغذاء والماء.. وكلما كان عطاؤها أوفر وأطيب وأجمل وأظهر شموخاً وارتفاعاً.. فطيب الثمر الذي يظهر للعيان، وكذلك هذا الشموخ للفروع والغصون هو من طيب الغذاء والتربة والماء!

كذلك شهادة التوحيد.. فعلى قدر ثباتها وعمق جذورها في قلب المؤمن تظهر آثارها وفروعها على جوارحه ويكون العطاء.. تظهر في صورة انقياد البدن كله إلى الطاعة والعبادة وامتثال تعاليم الشريعة الغراء.

فكلما تمكنت شهادة التوحيد من قلب المؤمن وتشعبت جذورها في قلبه إلى أن تستحوذ عليه من كل جوانبه وأطرافه.. كلما كان العطاء أكمل على فروع البدن والجوارح.

وكذلك عندما يضعف التوحيد في القلب، ويصعب عليه التمدد في جميع أنحاء القلب وتشعباته - بسبب المعاصي والذنوب - يكون عطاؤه على الجوارح ضعيفاً.. إلى أن يبلغ بأحدهم - لضعف التوحيد في القلب - أن لا يعمل من الخير إلا ما يزن ذرة أو نحوها، كما جاء ذلك في الحديث.

فالعطاء وانقياد الجوارح يزيد وينقص، يقوى ويضعف بحسب قوة وضعف التوحيد في القلب!

من هذا الدليل وغيره نص أهل العلم على أن الإيمان يزيد وينقص، يقوى ويضعف.. بحسب ما تمده من الأعمال، فإن غذيته ومددته بالطاعات قوي الإيمان وازداد، وإن غذيته بالمعاصي والذنوب ضعف الإيمان وذبل بحسب ما تمده به!

4) فكما أن ثمار وفروع الشجرة تتأثر سلباً وإيجاباً بعمق وثبات الجذور في الأرض، كذلك الجذور الضاربة في الأرض فهي تتأثر بما يطرأ على الفروع والغصون وبما تمدها به.. فلو حُبست الشمس عن الغصون والأوراق، وكذلك لو حُبس عنها الماء أو الهواء.. نرى أن الجذور في الأرض تتأثر مباشرة بما قد طرأ على قسمها الظاهر منها، فتضعف وتذبل.

ثم تأمل لو أن هذه الشجرة غُذيت بمياه المجاري وبالمياه الملوثة كيف أن طعم ثمارها يتغير ويسيء.. والعكس كذلك لو غذيت بالمياه النظيفة والأغذية النافعة.. ولم يُمنع عنها الماء والهواء.

ترى كيف أن طعم ثمارها يتغير إلى الأطيب والأفضل.. وكيف أن جذورها تزداد قوة وعافية وثباتا.

كذلك التوحيد والإيمان في القلب فإنه يؤثر ويتأثر، يؤثر بالجوارح الظاهرة بحسب قوته وضعفه كما تقدم، كذلك فإنه يتأثر من هذه الجوارح بحسب ما تمده به من أعمال.. فإن أمدته بالطاعات والأعمال الحسنة قوي الإيمان والتوحيد في القلب، وإن أمدته بالمعاصي والذنوب ضعف الإيمان وذبل بحسب ما تمده به الجوارح.. فهو يؤثر بالجوارح ويتأثر منها.

وهو المراد من القاعدة السُّنية التي دلت عليها نصوص الشريعة التي تشير إلى علاقة الظاهر بالباطن وتأثر كل منهما بالآخر.

كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسدُ كله، ألا وهي القلب " البخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم: " إن العبد إذا أخطأ خطيئة - وفي رواية: إذا أذنب ذنباً - نُكتت في قلبه نُكتةٌ سوداء، فإذا نزَعَ واستغفر وتاب سُقِلَ قلبه، وإن عاد زيدَ فيها حتى تعلو قلبَه، وهو الران الذي ذكر الله {كلاَّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} [37].

وقال صلى الله عليه وسلم: " تُعرض الفتنُ على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلبٍ أشربها نُكتت فيه نكتةٌ سوداء، وأي قلبٍ أنكرها نُكتت فيه نكتة بيضاء.." مسلم.

فتأمل كيف أن القلب يؤثر بالجوارح كما في حديث البخاري المتقدم، وكيف أنه يتأثر بأي ذنبٍ ترتكبه الجوارح الظاهرة كما في الحديثين الآخرين.

وهذا يدل على فساد عقيدة أهل التجهم والإرجاء حيث يتصورون إمكانية أن تسير الجوارح الظاهرة في اتجاه.. والقلب في اتجاه آخر.. الجوارح تمارس الكفر البواح.. والباطن مطمئن بالإيمان.. ظاهر كافر وباطن مؤمن!

لذا فإن الكفر عندهم هو شيء واحد هو كفر القلب وتكذيبه أو ما يدل دلالة صريحة - كالتعبير بالقول - على كفره وتكذيبه!

وهذا قول خبيث باطل مردود عليه بصريح المنقول والمعقول.. ولأهل العلم كلام غليظ على هذا المذهب الضال وعلى أهله وأنصاره، ذكرناه في مواضع أخرى من أبحاثنا.

5) كذلك من خصائص هذه الشجرة الطيبة المباركة التي ضُربت مثلاً للتوحيد.. أنها دائمة العطاء على مدار الساعة والزمن.. فهي ليست كبقية الأشجار موسمية العطاء تُعطي في فصل ويتوقف عطاؤها في بقية الفصول.. بل عطاؤها مستمر على مدار الفصول، والأيام والساعات.. {تؤتي أُكلها كل حينٍ بإذن ربها..}.

وهكذا شهادة التوحيد لا إله إلا الله.. فهي دائمة العطاء والخير لصاحبها على مدار الوقت.. فهي ليست كبقية العبادات كالصلاة أو الصوم، أو الحج، أو الزكاة عطاؤها محصور في وقت معين، وزمن محدد.. لا !

بل هي معه في الحل والترحال.. معه في السلم والحرب.. في الولاء والبراء.. في العزلة والخلطة.. وهو في عمله أو بيته أو أي مكان آخر.. توجهه وترشده إلى صواب القول والمواقف.. فهو حركاته وسكناته كلها مضبوطة وموجهة بموجه شهادة التوحيد.. لا إله إلا الله !

يُحسن ما تُحسنه لا إله إلا الله.. ويُقبح ما تُقبحه لا إله إلا الله.. يوالي فيها ويُعادي عليها.. فهي بذلك تكون كما وصف ربنا تيارك وتعالى: {تؤتي أكلها كلَّ حينٍ بإذن ربها..} وليس في حين دون حين!

جميع هذه المعاني ينبغي أن نتذكرها ونتدبرها كلما مررنا على تلاوة هذه الآية الكريمة.. ووقفنا على هذا المثل العظيم الذي ضُرب لشهادة التوحيد، وهو المراد من قوله تعالى: {ويضرب الله الأمثال للناس لعلَّهم يتذكرون}.


--------------------------------------------------------------------------------

[37] صحيح سنن الترمذي: 2654.









عرض البوم صور مسلم   رد مع اقتباس
  -->
--> -->