29 / 01 / 2008, 20 : 07 AM | المشاركة رقم: 12 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو ملتقى نشيط | الرتبة | | البيانات | التسجيل: | 15 / 12 / 2007 | العضوية: | 8 | المشاركات: | 78 [+] | بمعدل : | 0.01 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | 219 | نقاط التقييم: | 12 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | كاتب الموضوع : مسلم المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح شروط لا إله إلا الله تنبيهات هامة وضرورية [الكاتب: أبو بصير الطرطوسي] تتمة للفائدة، وتوضيحاً لما قد يُشكل على القارئ فهمه، نشير إلى التنبيهات الضرورية التالية: التنبيه الأول: أن ما تقدم من شروط لشهادة التوحيد لا إله إلا الله، هي شروط لا بد من استيفائها وتحققها لانتفاع صاحبها منها في الآخرة، وحتى يكون من أهل الجنة والنجاة من العذاب يوم القيامة، أما في الحياة الدنيا لكي تُجرى على المرء أحكام الإسلام ويُعامل معاملة المسلمين.. يكفي له أن يقر بشهادة التوحيد لفظاً، وأن لا يأتي بما يضادها من الأقوال والأعمال الظاهرة الكفرية والشركية. فإن وفَّى بهذين الشرطين فقط عومل معاملة المسلمين، وجرت عليه أحكامهم وحقوقهم وواجباتهم. وهذا لا يستلزم أن يكون مؤمناً على الحقيقة لاحتمال وجود النفاق.. فليس كل مسلم هو مؤمن على الحقيقة، ولكن كل مؤمنٍ على الحقيقة هو مسلم، وهذه قاعدة سنية معروفة دلت عليها نصوص الشريعة، وتناولها أهل العلم بالشرح والتفصيل. التنبيه الثاني: ما تقدم يحملنا على أن نشير إلى الفارق بين ما يدخل به المرء الإسلام، وبين الوصف الذي به يستمر له حكم الإسلام. أما ما يدخل به الإسلام هو إقراره بشهادة التوحيد على تفصيل قد تقدم، أما الوصف الذي يجب أن يستمر عليه لكي يبقى في دائرة الإسلام هو أن لا يأتي بالأعمال والأقوال الظاهرة التي تؤدي به إلى الخروج من دائرة الإسلام، فإن فعل وأتى بما يناقض الإسلام ينتقل وصفه وحكمه إلى وصف وحكم المرتد عن الدين حيث تُجرى عليه أحكامه وتبعاته. فإن قيل: رجل دخل الإسلام بشهادة التوحيد، ثم مات قبل أن يتمكن من فعل أي شيء مما يُعتبر شرطاً لصحة التوحيد.. فهل شهادة أن لا إله إلا الله تنفعه يوم القيامة بمفردها؟ أقول: قد دلت السنة - ولله الحمد - أن من كان هذا وصفه، فإنه ينتفع بشهادة التوحيد، وإن لم تتح له الفرصة على أن يعمل شيئاً من شروط صحة التوحيد، كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه أن رجلاً من الأنصار جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك عبده ورسوله، ثم تقدم فقاتل حتى قُتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عمل يسيراً وأجر كثيراً ". وفي رواية عند البخاري: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل مقنع بالحديد، فقال: يا رسول الله أقاتل أو أُسلم؟ قال: " أسلم ثم قاتل "، فأسلم ثم قاتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عمل قليلاً وأجر كثيراً ". وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه أن غلاماً يهودياً كان يضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه، ويُناوله نعليه، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا فلان قل لا إله إلا الله ". فنظر إلى أبيه، فسكت أبوه، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى أبيه، فقال أبوه: أطع أبا القاسم. فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " الحمد لله الذي أخرجه بي من النار ". وفي حديث تلقين النبي صلى الله عليه وسلم شهادة التوحيد لعمه أبي طالب وهو يحتضر، لكي يتشفع له بها يوم القيامة، كما جاء في الحديث الصحيح: " كلمة أُحاج لك بها عند الله تعالى.. "، هو كذلك مما يُستدل به في المسألة. قال ابن جرير الطبري في الجامع 3/345: لا خلاف بين جميع الحجة في أن كافراً لو أسلم قبل خروج نفسه بطرفة عين أن حكمه حكم المسلمين في الصلاة عليه والموارثة وسائـر الأحكام غيرهما، فكان معلوماً بذلك أن توبته في تلك الحال لو كانت غير مقبولة لم ينتقل حكمه من حكم الكفار إلى حكم أهل الإسلام. اهـ. قلت: هذه الطرفة عين التي ذكرها الطبري رحمه الله يجب أن تُحمل على أنها قبل الغرغرة والمعاينة؛ لأن التوبة عند الغرغرة لا تنفع صاحبها في شيء، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " [33]. وفي رواية: " من تاب إلى الله قبل أن يغرغرَ، قبل الله منه " [34]. التنبيه الثالث: ليس من شروط صحة التوحيد حفظ شروط صحة التوحيد الآنفة الذكر، أو حفظ الأدلة عليها.. فهذا من وجه لم يُشرع وإنما شُرع خلافه، ومن وجه آخر فيه تكليف لعموم العباد ما هو فوق الطاقة والمقدور. أخرج مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: كانت لي جارية ترعى غنماً لي قِبل أحدٍ والجوانيه، فاطلعت ذات يومٍ، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكةً، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظَّم ذلك علي، فقلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: " ائتني بها " فأتيته بها، فقال لها: " أين الله؟ " قالت: في السماء، قال: " من أنا؟ ". قالت أنت رسول الله. قال: " أعتقها فإنها مؤمنة ". فحكم لها صلى الله عليه وسلم بالإيمان بهذا القدر من الأسئلة من دون أن يخوض معها في مسائل الأصول وتفريعاته، ويطالبها بالاستدلال على ذلك! وفي سنن أبي داود عن عبد الله ابن أبي أوفى، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً، فعلمني ما يُجزئني منه، قال: " قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ". قال: يا رسول الله هذا لله عز وجل فما لي؟ قال: " قل اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني " فلما قام، قال هكذا بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما هذا فقد ملأ يدَه من الخير " [35]. فهذا الصحابي لم يتمكن من حفظ شيءٍ من القرآن؛ حتى الفاتحة التي لا تصح الصلاة إلا بها فإنه لم يحفظها، لكن لعجزه وعدم استطاعته في أن يحفظ شيئاً عذره النبي صلى الله عليه وسلم ودله على البديل الأسهل عليه، ولم يقل له لا بد من أن تحفظ الفاتحة.. فضلاً عن أن يطالبه بحفظ الأصول والأدلة عليها! بل نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر على خالد استعجاله في قتل أولئك النفر الذين لم يُحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فقالوا - بدلاً من ذلك - صبأنا، كما في صحيح البخاري عن سالم عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني حذيفة، فلم يُحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فقالوا: صبأنا.. صبأنا، فجعل خالد يقتل ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، فأمر كل رجل منا أن يقتل أسيره! فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره ! فذكرنا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد.. اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد.. مرتين "! وفي ذلك تنبيه لخطأ الغلاة المكفرة الذين يحملون الآخرين على أن يذكروا أصولهم وتقريراتهم وشذوذاتهم بأدلتها.. ومن لم يجبهم إلى ذلك فهو عندهم ليس بمؤمنٍ، وحكم الكفر يلحق به مباشرة! فالمرء عندهم ليس بمؤمنٍ حتى يجيبهم أولاً على أكثر من مائة سؤال: ماذا تقول في كذا.. وما حكم كذا.. وما معنى كذا.. وما هي شروط كذا.. إلى آخر القائمة التي قد يعجز عن الإجابة عليها بأدلتها أهل العلم والفقه! قال ابن حجر في الفتح 13/439، نقلاً عن الغزالي رحمه الله: أسرفت طائفة فكفروا عوام المسلمين، وزعموا أن من لم يعرِّف العقائد الشرعية بالأدلة التي حرروها فهو كافر، فضيقوا رحمة الله الواسعة وجعلوا الجنة مختصة بشرذمة يسيرة من المتكلمين! اهـ. وقال ابن حزم رحمه الله في المحلى 1/61: لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ بعثه الله تعالى إلى أن قبضه يقاتل الناس حتى يقروا بالإسلام ويلتزموه، ولم يكلفهم استدلالاً، ولا سألهم هل استدلوا أم لا، وعلى هذا جرى جميع الإسلام إلى اليوم اهـ. التنبيه الرابع: إن قيل إذا كان لا يجب عليه حفظ شروط التوحيد، ولا تقريره بها.. كيف يُعرف أنه قد وفَّى حقَّ لا إله إلا الله وأتى بشروطها، وكيف تكون صفة إحيائه لتلك الشروط التي لا يصح الإيمان إلا بها؟! أقول: أولاً لا يلزم ولا يشترط أن يعرف عنه العباد التزامه بتلك الشروط، ومدى التزامه بها، وهل حققها في نفسه على الوجه المطلوب أم لا..فهذا بينه وبين ربه عز وجل، لا دخل للعباد فيه، وليس من حقهم أن يستجوبوه أو يحققوا معه في ذلك. لكن إن أظهر لهم من الأقوال أو الأعمال ما يدل على مناقضته لشروط التوحيـد أو بعضها.. حينئذٍ يكون قد عرف عن نفسه بنفسه بأنه لم يأتِ بالتوحيد المطلوب، أو أنه جاهـل به.. وبذلك يكون قد جعل للآخرين عليه سلطاناً في أن يأمروه بالمعروف وينهوه عن المنكر.. ويزجروه - بالقوة إن أمكن - إن لم ينزجر بالنصح والتي هي أحسن. أما صفة التزامه بتلك الشروط كيف تكون؟ أقول: يكفيه أن يلتزم بها في واقع حياته، وأن لا يأتي بضدها من الكفر والشرك.. فهو يبغض الطواغيت ويعاديهم في الله، ويقاتلهم.. ولكن قد لا يحسن أن يقول لك من شروط صحة التوحيد الكفر بالطاغوت، وصفة الكفر بالطاغوت تكون بالاعتقاد والقول والعمل وبحسب التفصيل المتقدم! وهو كذلك يحب في الله ويبغض في الله.. ويتوجه في العبادة لله وحده.. يفعل ذلك كله من دون أن يحسن التعبير عنها، ويذكرها كشروط وبالتسلسل كما ذكرناها من قبل! وربما لو ذكرت بعض شروط التوحيد أمامه على وجه التفصيل.. لقال لك: هكذا أنا.. كأنك تتكلم عما في نفسي.. لكني لا أحسن دندنتك، ولا سردك وصفك للكلام [36]! التنبيه الخامس: قد يُقال إن من أهل العلم من عدَّ للتوحيد شروطاً ثمانية، ومنهم من حصرها في سبعة شروط.. فكيف عددتها تسعة شروط؟! أقول: لا تنافي بين تلك الأقوال ولله الحمد، وبيان ذلك: أن من عدها سبعة شروط أو ثمانية.. فهو يضمن شرطين في شرطٍ واحدٍ؛ كقول أحدهم: العمل بالتوحيد شرط لصحته، ولم يذكر شرط الكفر بالطاغوت منفرداً لدخوله في العمل بالتوحيد.. فكل من عمل بالتوحيد لزمه الكفر بالطاغوت، وليس كل من كفر بالطاغوت لزمه العمل بمطلق التوحيد. وبعضهم - كالشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبناءه رحمهم الله - ذكروه كشرط مستقل، لدلالة النصوص عليه، ولبيان أهميته.. كما يُذكر خاص من عام لبيان أهميته، وللضرورة التي تقتضي مثل هذا التفصيل. كذلك شرط انتفاء الشك وحصول اليقين.. أحياناً يُذكر على أنه شرطان: انتفاء الشك شرط.. وحصول اليقين شرط ثانٍ، ولا تنافي بين الحالتين ولله الحمد لتضمنهما نفس المعنى والدلالة.. وإن اختلفا في العدد، فهذا الاختلاف لا يؤثر ولا قيمة له. إلا أن شرط الموافاة على التوحيد لم أقف على قول عالم ذكره ضمن شروط صحة التوحيد.. لكنهم جميعهم - ومن دون مخالف - ذكروه مستقلاً، وأنه شرط للنجاة وصحة التوحيد النافع يوم القيامة.. لدلالة النصوص العديدة على ذلك، وقد تقدم ذكر بعضها. لأجل ذلك ذكرناه من ضمن شروط صحة التوحيد الآنفة الذكر! هذا وجه من أوجه الجواب، ووجه آخر أن الشرط يُعرف بدلالة النصوص الشرعية عليه فإذا وردت النصوص الدالة عليه تعيَّن القول به ولا بد، وإن غفل عن ذكره بعض أهل العلم ولم يعدوه من ضمن الشروط التي ذكروها.. فالحجة تقوم بالدليل الشرعي لا فيما قد غفل عن ذكره أهل العلم، والله تعالى أعلم. التنبيه السادس: يوجد فرق بين شروط صحة آحاد الأعمال الشرعية، وبين شروط صحة مجموع الأعمال والدين. فما تقدم ذكره عن شروط لا إله إلا الله.. هي شروط لصحة مجموع الدين والأعمال، أما شروط صحة آحاد الأعمال التعبدية فهي تنحصر في شرطين: أحدهما : المتابعة والموافقة لهدي وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعبد به.. فإذا جاءت العبادة بخلاف المشروع والمسنون لا تُقبل، وهي رد على صاحبها، كما في الحديث الصحيح: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد" متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: " كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ". وقال صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتموني أصلي ". وقال صلى الله عليه وسلم: " خذوا مناسككم عني " وغيرها من الأدلة التي تفيد وجوب الاتباع وحرمة وبطلان الابتداع. ولأن العبادة الأصل فيها الحظر والمنع ما لم يرد فيها نص يُفيد الإباحة والجواز، أو الوجوب. الثاني: أن يكون العمل خالصاً لوجه الله تعالى، لا يشوبه الشرك أو المراءاة، فإن جاء العمل موافقاً للسنة لكنه ابتغي به غير وجه الله تعالى، أو أحداً آخر مع الله.. رُدَّ العمل ولم يُقبل، كما في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركتُه وشركه " مسلم. وفي رواية: " فأنا منه بريء وهو للذي أشرك ". ومن الأدلة الجامعة للشرطين قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يُشرك بعبادة ربه أحداً} الكهف: 110. قال أهل العلم والتفسير: العمل الصالح هو ما وافق السنة.. {ولا يُشرك بعبادة ربه أحداً} هو إخلاص العبادة لله تعالى . التنبيه السابع: قد يتوهم البعض أن شهادة أن لا إله إلا الله ترفع السيف عن قائلها أياً كان قائلها، وكانت صفته وحالته، معتمدين في ذلك على قصة أسامة بن زيد رضي الله عنه لما قتل رجلاً بعد أن قال لا إله إلا الله، وإنكار النبي صلى الله عليه وسلم الشديد عليه. كما في صحيح مسلم عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك، فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقال لا إله إلا الله وقتلته؟! "، قال: قلت يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: " أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!" فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذٍ. وفي الصحيح كذلك، عن المقداد بن الأسود أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يديَّ بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتله، قال: فقلت يا رسول الله إنه قد قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال ". فقوله صلى الله عليه وسلم " فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال " أي إنه يصير بقوله للشهادة معصوم الدم مثلك قبل أن تقتله، وأنت تصبح مباح الدم مثله قبل أن يقول كلمة التوحيد لوجوب القصاص عليك. ولا يُفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: " وإنك بمنزلته.." أي تصير بمنزلته في الكفر كما فهم ذلك بعض الغلاة، فهذا بعيد ولا يصح. فإن قيل علام لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بذاك الرجل الذي قتله بعد أن قال لا إله إلا الله؟! أقول: لأن أسامة كان متأولاً وجاهلاً للحكم فأقال ذلك عثرته، بينما المقداد بعد أن سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأجابه النبي صلى الله عليه وسلم على سؤاله..لم يعد يُعذر بالجهل أو التأويل، لذلك قال له في المرة الثانية وبعد أن أجابه على سؤاله: " إنك - إن فعلت - بمنزلته قبل أن يقول كلمته ". هذه النصوص وغيرها تفيد أن الكافر المحارب لو قال لا إله إلا الله في أجواء القتال أو غيرها.. رُفع عنه السيف وعصم دمه وماله. قال ابن تيمية في الصارم: ولا خلاف بين المسلمين أن الحربي إذا أسلم عند رؤية السيف وهو مطلق أو مقيد يصح إسلامه وتقبل توبته من الكفر، وإن كانت دلالة الحال تقتضي أن باطنه خلاف ظاهره. اهـ. لكن ما تقدم هل يلزم منه أن كلمة التوحيد ترفع عن قائلها السيف، أياً كان قائلها وكانت صفته، وكان ذنبه؟! أقول: لا يلزم ذلك.. ولبيان ذلك يتعين علينا ذكر الحالات التي لا يُرفع فيها السيف عمن يقول لا إله إلا الله. الحالة الأولى: المرتد ردة مغلظة : وهو الذي يتبع ردته حرباً لله ولرسوله وللمؤمنين، فيزداد بذلك كفراً على كفر.. فمثل هذا لا تقبل توبته بعد القدرة عليه، ولا يُستتاب، ولو تاب وجهر بلا إله إلا الله لا يُقبل منه ولا يرتفع عنه السيف وحد القتل. قال تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تُقبل توبتهم وأولئك هم الضالون} آل عمران: 90. قال ابن تيمية في الصارم: أخبر سبحانه أن من ازداد كفراً بعد إيمانه لن تقبل توبته، وفرق بين الكفر المزيد كفراً والكفر المجرد في قبول التوبة من الثاني دون الأول، فمن زعم أن كل كفر بعد الإيمان تقبل منه التوبة فقد خالف القرآن. اهـ. وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رهطاً من عُكل ثمانية قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فاجتووا المدينة، فقالوا: يا رسول الله أبغنا رِسْلاً، قال: ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود، فانطلقوا فشربوا من أبوالها وألبانها حتى صحوا وسمنوا، وقتلوا الراعي واستاقوا الذود، وكفروا بعد إسلامهم. فأتى الصريخ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فبعث الطلب، فما ترجل النهار حتى أُتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها وطرحهم بالحرة يستسقون فما يُسقون حتى ماتوا ". فعل بهم ذلك لأنهم أتبعوا ردتهم القتل، والنهب للأموال العامة للمسلمين.. فازدادوا بذلك كفراً. وعند البخاري كذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: " اقتلوه ". وقوله " متعلق بأستار الكعبة " أي تائباً يطلب الأمان.. ومع ذلك لم يُستتب ولم ينفعه ذلك في شيء، ولم ينفعه الأمان العام الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لأهل مكة، وبخاصة منهم من دخل المسجد الحرام.. بسبب أنه ارتد عن الإسلام، وضم إلى ردته القتل والشتم للرسول صلى الله عليه وسلم، والتحاقه بالمشركين! وكذلك فُعل بمقيس بن ضبابة، وابن سرح وغيرهم لما ضموا إلى ردتهم الحرب على لله وعلى رسوله والمؤمنين. قال ابن تيمية في الفتاوى 20/103: يُفرق في المرتد بين الردة المجردة فيقتل إلا أن يتوب وبين الردة المغلظة فيقتل بلا استتابة. اهـ. أما إن تاب قبل القدرة عليه، وجاء تائباً مستسلماً من تلقاء نفسه فالراجح أن توبته تقبل لقوله تعالى: {إنما جزاء الذين يُحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتلوا أو يُصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب أليم. إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم} المائدة: 33-34. فاستثنى الله تعالى مما تقدم التائب قبل القدرة عليه.. قال ابن تيمية في الصارم: إن الله سبحانه فرق بين التوبة قبل القدرة وبعدها، لأن الحدود إذا رُفعت إلى السلطان وجبت ولم يكن العفو عنها ولا الشفاعة، بخلاف ماقبل الرفع، ولأن التوبة قبل القدرة عليه توبة اختيار، والتوبة بعد القدرة توبة إكراه واضطرار، بمنزلة توبة فرعون حين أدركه الغرق، وتوبة الأمم المكذبة لما جاءها البأس، وتوبة من حضر الموت، فقال: إني تبت الآن فلم يُعلم صحتها حتى يسقط الحد الواجب، ولأن قبول التوبة بعد القدرة لو أسقط الحد لتعطلت الحدود وانبثق سدّ الفساد. اهـ. فإن قيل: التوبة قبل القدرة تُسقط حق الله وحق العباد معاً، أم أنه يوجد تفصيل وتفريق؟ أقول: الراجح من مجموع الأقوال الموافق لأدلة الشريعة أن المحارب إذا كان محارباً على وجه الردة، فتوبته قبل القدرة عليه تسقط حقوق الله وحقوق الآدميين معاً؛ وهذا ما جرت عليه سنة أبي بكر رضي الله عنه ومن معه من الصحابة مع أهل الردة الذين أعلنوا توبتهم وإيابهم إلى الحق والسمع والطاعة، وعندما أراد أبو بكر أن يأخذ منهم الفدية عن قتلى المسلمين، قال له عمر رضي الله عنه: إنهم - أي قتلى المسلمين - قاتلوا في سبيل الله وأجرهم على الله.. فامتنع أن يأخذ منهم الفدية، وعلى هذا جرى العمل بين الصحابة. أما إذا كان المحارب مسلماً - لكنه يقوم بعمل الحرابة والسطو وقطع الطريق - ثم تاب قبل القدرة عليه، فتوبته تسقط عنه حق الله وهو حد الحرابة دون حقوق الآدميين، فإن عليه القصاص وأداء الحقوق إلى أصحابها؛ فإن قتل يُقتل، وإن سلب المال أعاده إلى أصحابه إلا أن يعفوا عنه.. هذه إجابة مختصرة وتفصيلها له موضع آخر إن شاء الله. الحالة الثانية: الزنديق : الزنديق: هو المنافق الذي يُظهر كفره، فإن قامت عليه البينة القاطعة واستتيب أنكر وجحد. والراجح في الزنديق أنه يُقتل من غير استتابة - مهما تظاهر بالإسلام وقال لا إله إلا الله - لأن الاستتابة تكون من شيء، والزنديق لا يعترف بشيء فمما يُستتاب؟! قال تعالى: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذابٍ من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون} التوبة: 52. قال ابن تيمية في الصارم: قال أهل التفسير {أو بأيدينا} بالقتل إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلناكم، وهو كما قالوا؛ لأن العذاب على ما يبطنونه من النفاق بأيدينا لا يكون إلا القتل لكفرهم، ولو كان المنافق يجب قبول ما يُظهر من التوبة بعدما ظهر نفاقه وزندقته لم يمكن أن يُتربص بهم أن يُصيبهم الله تعالى بعذابٍ من عنده بأيدينا؛ لأنا كلما أردنا أن نعذبهم على ما أظهروه أظهروا التوبة! ولأنه لو قبلت علانيتهم دائماً مع ثبوت ضدها لم يمكن إلى الجهاد على النفاق سبيل، فإن المنافق إذا ثبت عنه أنه أظهر الكفر فلو كان إظهار الإسلام حينئذٍ ينفعه لم يمكن جهاده. اهـ. وقال ابن القيم في زاد المعاد: وها هنا قاعدة يجب التنبه عليها لعموم الحاجة إليها وهي أن الشارع إنما قبل توبة الكافر الأصلي من كفره بالإسلام لأنه ظاهر لم يُعارضه ما هو أقوى منه فيجب العمل به لأنه مقتضى لحقن الدم والمعارض منتفٍ، فأما الزنديق فإنه قد أظهر ما يبيح دمه، فإظهاره - بعد القدرة عليه - للتوبة والإسلام لا يدل على زوال ذلك الكفر المبيح لدمه دلالة قطعية ولا ظنية.. ويا لله العجب! كيف يُقاوم دليل إظهاره للإسلام بلسانه بعد القدرة عليه أدلة زندقته وتكررها منه مرة بعد مرة، وإظهاره كل وقت للاستهانة بالإسلام والقدح في الدين والطعن فيه في كل مجمع، مع استهانته بحرمات الله واستخفافه بالفرائض وغير ذلك من الأدلة؟! ولا ينبغي لعالم قط أن يتوقف في قتل مثل هذا، ولا تُترك الأدلة القطعية لظاهرٍ قد تبين عدم دلالته وبطلانه. وقال: ومما يدل على أن توبة الزنديق بعد القدرة لا تعصم دمه، قوله تعالى: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذابٍ من عنده أو بأيدينا} قال السلف في الآية: أو بأيدينا؛ أي بالقتل إن أظهرتم ما في قلوبكم، وهو كما قالوا؛ لأن العذاب على ما يبطنون من الكفر بأيدي المؤمنين لا يكون إلا بالقتل، فلو قبلت توبتهم بعدما ظهرت زندقتهم لم يكن المؤمنين أن يتربصوا بالزنادقة أن يُصيبهم الله بأيديهم، لأنهم كلما أرادوا أن يُعذبوهم على ذلك أظهروا الإسلام فلم يُصابوا بأيديهم قط. اهـ. الحالة الثالثة: شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم : من كانت ردته من جهة شتم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يُقتل كفراً وحداً ومن دون أن يُستتاب؛ فإن تاب من الكفر - وصدق في توبته - بقي عليه حد الشتم، وحد الأنبياء القتل ولا بد؛ إذ لا يحق لأحدٍ أن يتشفع في حق هو ليس له، وإنما هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن تيمية في الصارم: المرتد يستتاب من الردة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قتلوا الساب ولم يستتيبوه، فعُلم أن كفره أغلظ، فيكون تعيين قتله أولى.. إن قتل ساب النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان قتل كافراً، فهو حد من الحدود ليس قتلاً على مجرد الكفر والحراب، لما تقدم من الأحاديث الدالة على أنه جناية زائدة على مجرد الكفر والمحاربة ومن أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أمروا فيه بالقتل عيناً.. وقد ثبت أن حده القتل بالسنة والإجماع. اهـ. هذا مختصر مفيد فمن لم يقنع به وأراد التفصيل مع ذكر الأدلة مفصلة فليراجع كتابنا " تنبيه الغافلين إلى حكم شاتم الله والدين "، فإن لم يقنع به وأراد المزيد فعليه بالكتاب العظيم " الصارم المسلول على شاتم الرسول " لشيخ الإسلام ابن تيمية، فقد أفاد وأجاد رحمه الله. الحالة الرابعة: فيمن يجب عليه حد القتل : فمن وجب عليه القتل لوقوعه في جريمة القتل بغير حق ونحو ذلك.. فإنه يُقتل حداً من حدود الله إلا أن يعفوا أولياء المقتول، وشاهدنا هنا: أن الجاني لو قال لا إله إلا الله قبل أن يُقتل فإنها لا ترفع عنه حكم القتل ولا السيف. وبعد، هذه بعض الحالات التي لا يرفع فيها السيف عن صاحبها وإن أتى بشهادة التوحيد: لا إله إلا الله قبل القتل.. أردنا الإشارة إليها على وجه الإيجاز لكي لا يلتبس الأمر على القارئ، فيحمل حديث أسامة بن زيد الآنف الذكر على جميع الحالات والأشخاص فيضل.. والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل. -------------------------------------------------------------------------------- [33] أخرجه أحمد والترمذي، وابن ماجه وغيرهم، صحيح الجامع: 1903. [34] أخرجه الحاكم وغيره، صحيح الجامع: 6132. [35] صحيح سنن أبي داود: 742. [36] ذُكر لي أن رجلاً من عوام المسلمين يمتهن صناعة الأحذية، وكان ماهراً جداً في مهنته، وكان يحب النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً، ويكثر من الصلاة عليه.. ومرة أخذ يتنهد ويتحسر لو أنه قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم .. فقيل له: ماذا كنت فاعلاً..؟ قال ببراءة العامي البسيط: كنت سأصنع للنبي صلى الله عليه وسلم أجمل حذاءٍ في العالم!! هذا هو أسلوبه.. وهذه هي بيئته.. وكل له طريقته في التعبير عن حبه للرسول صلى الله عليه وسلم! صندوق الأدوات حفظ المادة طباعة إلى صديق إلى المفضلة تنبيه عن خطأ محرك البحث بحث في الصفحة بحث متقدم » شارك معنا شارك معنا في نشر إصدارات المجاهدين. . . رسالة إلى كل من يملك كتاباً أو مجلة أو شريطاً . . . تتمة
|
| |