عرض مشاركة واحدة
قديم 18 / 07 / 2009, 48 : 09 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
أم نيره
اللقب:
عضو ملتقى ماسي
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية أم نيره


البيانات
التسجيل: 27 / 01 / 2008
العضوية: 47
المشاركات: 5,583 [+]
بمعدل : 0.88 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 780
نقاط التقييم: 234
أم نيره has a spectacular aura aboutأم نيره has a spectacular aura aboutأم نيره has a spectacular aura about

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
أم نيره غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الملتقى العام
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد،

فما من يوم إلا ونشيع غاديًا ورائحًا إلى الله، قد خلع الأسلاب، وفارق الأحباب، ووُجه للحساب، غنيًا عما ترك فقيرًا إلى ما قدم، وتعظم المصيبة مع قوة الصلة وتأكد أواصر المحبة، قال -تعالى-: {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}(المائدة:106)، فالموت مصيبة، وكأن الإنسان لا يصدق نفسه كيف صار ******ُ والقريبُ جثةً هامدة؟!
وكان عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- يقول: «ما رأيت حقًا أشبه بباطل من الموت، يعرفه الناس ثم لا يستعدون له»، وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه- إذا رأى جنازة يقول: «اغدوا فإنا راحون، وروحوا فإنا غادون، موعظة بليغة وغفلة سريعة، يروح الأول ولا يُعتبر الآخر».
والنفس إلى موت، والمال إلى فوات، وأنت من التراب وإلى التراب تعود، أنت اليوم حي وغدًا ميت، ومما نُسب إلى رابعة العدوية:


إذا صح منك الود فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب تراب

ميت يحمل ميتًا، وميت يبكي على ميت، وميت يرث ميتًا، وكأن الموت فيها على غيرنا كُتب، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وكأن الذي نشيع من الأموات سفر عما قريب إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم، ونأكل تراثهم كأننا بعدهم مُخلدون.
وقد أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من ذكر الموت فقال: (أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَادِمِ اللَّذَّاتِ) رواه البخاري، وتضافرت كلمات الصالحين على التذكير بهذه الحقيقة التي نغفل عنها، فكم من مستقبِل يومًا لا يستكمله، ومنتظرٍ غدًا لا يبلغه!! لو أدركتم الأجلَ ومسيرَه لأبغضتم الأملَ وغرورَه.
صعد أبو الدرداء -رضي الله عنه- درج مسجد دمشق يومًا فقال: «يا أهل دمشق ألا تستمعون من أخ لكم ناصح؟ إن من كان قبلكم كانوا يجمعون كثيرًا ويبنون شديداً، ويأملون بعيدًا، فأصبح جمعهم بورًا، وبنيانهم قبورًا، وأملهم غرورًا».
وقال: «ثلاث أضحكتني حتى أبكتني: طالب دنيا والموت يطلبه، وضاحك ملء فِيْهِ ولا يدري أأرضى ربه أم أسخطه؟ وغافل ليس بمغفول عنه». وأتى لمن وعظه وزاده تذكيرًا، فقال: «ويحك... كيف بك لو قد حُفر لك من الأرض أربع أذرع».
وكان عليٌّ -رضي الله عنه- يقول: «إن أخوف ما أخاف عليكم الهوى وطول الأمل، أما الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة».
وقال عمر بن عبد العزيز لسعيد بن عنبسة: «يا سعيد أكثر من ذكر الموت، فإنك لا تكون في ضيق من أمرك وشدة فتذكر الموت إلا وسع ذلك عليك، ولا تكون في سعة من أمرك وغبطة فتذكر الموت إلا ضيق ذلك عليك».
ولما دخل عليه محمد بن كعب القرظي أطال إليه النظر متعجبًا فقال له عمر بن عبد العزيز: «إنك تنظر إليّ نظرًا ما كنت تنظره من قبل»، فقال: «يا أمير المؤمنين ما نَحَلَ من بدنك ونَفَى من شعرك وحال من لونك»، فقال له عمر: «كيف بك لو رأيتني بعد ثلاثة، وقد دُليت في حفرتي، وسالت حدقتي على وجنتي، وامتلأ فمي دمًا وصديدًا؟».
وجلس يومًا متأملا متفكرًا ثم نطق وقال: «قبور خرقت الأكفان ومزقت الأبدان، مصت الدم وأكلت اللحم، ترى ما صنعت بهم الديدان، محت الوجوه، وكسرت الفقار وأبانت الأشلاء ومزقت الأعضاء، تُرى أليس الليل والنهار عليهم سواء، أليس هم في مدلهمة ظلماء، كم من ناعم وناعمة، أصبحت وجوههم بالية وأجسادهم عن أعناقهم نائية، قد سالت الحُدق على الوجنات وامتلأت الأفواه دمًا وصديدًا، ثم لم يلبثوا والله إلا يسيرًا حتى عادت العظام رميمًا»، ثم قال: «ليت شعري كيف ستصبر على خشونة الثرى؟ وبأي خديك سيبدأ البلى؟»، وقال: «يا ساكن القبر غدًا، ما الذي غرك من الدنيا؟ أين دارك الفيحاء؟ بل أين رقاق ثيابك؟».
قال الحسن: «إن أمرًا هذا الموت آخره لحقيق أن يُزهد، وإن أمرًا هذا الموت أوله لحقيق أن يُخاف آخره، ولأن تصحب أقوامًا يخوّفونك حتى تدرك أمنًا خير لك من أن تصحب أقوامًا يؤمنونك حتى تدركك المخاوف».
وكان بشر الحافي يضرب مثلاً يبسط به الوعظ القديم فيقول: «إن في هذه الدار نملة تجمع الحب في الصيف لتأكله في الشتاء، فبينما هي في يوم من الأيام إذ أخذت بفمها حبة وجاءها عصفور فأخذها هي والحبة، فلا ما جمعت أكلت ولا ما أملت نالت».
وكان الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: «يا دار تخربين ويموت سكانك»، وقال: «من لم يردعه ذكر الموت والقبور والآخرة فلو تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع».
ويمر بخاطري مواقف وحكايات تتعلق بالموت، ومنها قصة الشاب الذي توفى والده فتظاهر بالمرض، وانتظر حتى خرج إخوته بالجنازة ثم غيَّر هو مفتاح الشقة حتى يتيسر له الاستيلاء على الشقة ويمنع إخوته، والواقع أحيانًا قد يكون أغرب من الخيال!!
وحكى لي أحد الأقارب أن رجلاً في مقتبل العمر جلس تحت الشمسية على شاطئ البحر ونزل ولداه يسبحان في الماء، فمالت رأسه يقول: فقمت إليه فإذا روحه قد فاضت إلى بارئها {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}(لقمان:34). وموت الفجأة كثير وهو من علامات الساعة، والمسألة قد لا تحتمل الذهاب إلى غرفة الإنعاش أو العناية المركزة.
وافتقدت أحد الإخوة لفترة طويلة، ثم فوجئت به يبعث لي لزيارته بالمستشفى فذهبت ولم أتعرف عليه، فقد كان السرطان قد أصابه بنحافة شديدة بعد أن كان شابًا مفتول العضلات، ثم ما هي إلا أيام قلائل وتوفي.
وعندما أقرأ اللافتات المعلقة في المساجد والتي تقول: «إن تخلَّفَ أخوك عن صلاة الفجر فكبِّر عليه أربعًا»، أتعجب من صيغة النصيحة، وما قد تنطوي عليه من تهكم!! فهذا الأخ الذي تخلف قد يكون قد مات فعلاً ولم نشهد جنازته أو نعوده في مرضه، فمن المقصر هو أم نحن؟!، وهل هذه اللافتات تعفينا من التفريط في تأدية الحقوق لأصحابها؟
وسألني جاري يومًا وقال: أتشعر أن طبيعة المجتمع قد تغيرت، وكان يقصد صور القتل البشعة، فذكرت له ضمن حديثنا أن الصحافة ووسائل الإعلام قد ساعدت على ذلك يوم أن تعاطفت مع الجاني على حساب المجني عليه، وسارت بالخوض في القضايا قبل التحقيق والتثبت، وصارت الجرائم هي الحديث اليومي، فالكبير والصغير يرى مشاهد الدماء كل يوم مما أفقد الناس الألم والإحساس تجاهها.
وورث البعض شهوة هذه المشاهدة فلا عجب في ممارسة القتل بدماء باردة، وخصوصًا إذا أضيف إلى ذلك عدم إقامة الحدود الشرعية على الجناة.
هذا على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الدول فمع التشدق بحقوق الإنسان والحيوان تسيل دماء المسلمين، وتُنتَهك أعراضهم على أيدي الأمريكان وغيرهم، بل قُتِلَ مليون طفل عراقي أثناء الحصار، يحدث ذلك أيضًا بابتسامة صفراء ودماء باردة.
التقيت يومًا بمدير أحد المتاحف بالإسكندرية فقال: هل تذكر عندما كنت تأتينا بالجمعية الشرعية وتخطب فينا وأنت بالثانوية ولا حديث لك إلا عن الموت، ويبدو أن هذا هو الحديث الذي كنت أحسنه يومها، ويا ليتنا إذ أحسنا القول أحسنا العمل!! كان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: «أخاف أن يُقال يوم القيامة يا عويمر هل علمت فأقول: نعم، فيقال: ماذا عملت فيما علمت».
إن الأمان غدًا لمن باع قليلاً بكثير، ونافدًا بباق فالمبادرة المبادرة، إنما هي الأنفاس لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم، إنكم أصبحتم في أجل منقوص، والعمل محفوظ، والموت في رقابكم، والنار بين أيديكم، فتوقعوا قضاء الله في كل يوم وليلة، وما أنت إلا أيام مجموعة، إذا مضى يوم مضى بعضك.
وقالوا: كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سَنَته، وسَنَته تهدم عمره، وعمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته؟!
ذهب عبد الملك بن مروان إلى مقبرته في الوجع الذي مات فيه وبكى كثيرًا وقال: «يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه»
لقد فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي لُب فرحًا، وأيامنا تمضي سراعًا بلا بركة إذا قورنت بحياة سلفنا الصالح.
لما أتى جُند الحجاج لأخذ سعيد بن جُبير -رحمه الله- بكى ابنه، فقال له سعيد: «ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد خمسين سنة؟ لقد كنت أنا وصاحباي لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء، وسألنا الله الشهادة فكلا صاحبي رزقها وأنا أنتظرها»، وهذا شأن من علت همته وتيقن أن الموت حق.
وفي أثناء حواره مع الحجاج قال له: «اختر لنفسك يا سعيد قتلة»، فقال له: «بل اختر لنفسك يا حجاج؛ فوالله ما قتلتني قتلة إلا قتلك الله مثلها يوم القيامة»، قال له الحجاج: «شقيت وشقيت أمك يا سعيد»، فرد عليه قائلاً: «الغيب يعلمه غيرك»، قال الحجاج: «لأبدلنك بالدنيا نارًا تلظى»، قال سعيد: «لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا»، جمع بين يديه من أصناف المال، فقال سعيد: «لو جمعت هذه لتفتدي من عذاب يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تُذهل كل مرضعة عما أرضعت ولا خير في شيء جمع للدنيا إلا ما طاب وزكا»، ولما أخرجوا سعيد لقتله ضحك فسأله الحجاج، فقال سعيد: «عجبت لجرأتك على الله وحلم الله عليك»، ثم بطحوه على الأرض فقال سعيد: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}، ودعا على الحجاج: «اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي»، فعاش الحجاج بعدها أيامًا يستيقظ من نومه مذعورًا يقول: «ما لي ولسعيد بن جبير؟!».
ولما قبضوا على خبيب بن عدي سألهم أن يمهلوه حتى يصلي لله ركعتين، فأطال الصلاة، وهو أول من سنّ سُنَّة القتل، ثم قال: «لولا أن تظنوا أني أطلت الصلاة مخافة القتل لأطلتها أكثر»، ثم لما ناوشوه بالسيوف وبالرماح وقع وهو يردد:


ولست أبالي حين أُقتل مسلمًا على أي جنب كان في الله مصرعي



فذلك في ذات الإله وإن يـشأ يبارك على أوصال شــــلو مــــمزع

لقد تاقت نفوسهم إلى الجنة ونعيمها، وتمنوا لقاء الله في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مُضلة.
لما كان يوم أُحد انكشف المسلمون فتبرأ إلى الله مما فعله المشركون، واعتذر إليه سبحانه مما فعله إخوانه، وكان قد سمع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد مات، فقال: «إن كان قد مات فعلام الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على مثل ما مات عليه». كلمة تصلح لأن تكون منهاجًا للحياة... ثم قال: «واهٍ لريح الجنة إني لأجد ريح الجنة من دون أُحد»، فقاتل فقُتِل وما عرفته إلا أخته بطرف بنانه.
وفيه وفي أمثاله نزل قوله -تعالى-: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}(الأحزاب:23).
ويوم أُحد أخرج عمير بن الحمام تمرات من جيبه يأكل منها ثم حدّث نفسه: «لأن أنا حييت حتى آكل ثمراتي هذه، إنها لحياة طويلة»، فرمي بها ثم دخل يقاتل فقُتِل، وعرض سعد على ابنه خيثمة أن يبقى مع نسائه وهو يكفيه الخروج، فرفض وقال: «إني لأرجو أن أرمي فيما ها هنا» -وأشار إلى جبهته- فما تجاوز السهم الموضع الذي حدده. وإن تَصْدُق الله يصدقك.

يتبع

o,h'v p,g hgl,j ,tr] hgHpfm










عرض البوم صور أم نيره   رد مع اقتباس