ملتقى أهل العلم - النداء الثاني عشر : عتاب الحق عزوجل للنبي صلى الله عليه وسلم

النداء الثاني عشر : ] عتاب الحقِّ U للنبي r[
] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [{التحريم 1}.
هذا النداء الربانيّ للحبيب المصطفى r عتاب لطيف لجنابه المعظَّم المكرَّم،لتحريمه على نفسه شيئا أباحه الله تعالى،طلبا لمرضاة إحدى زوجاته.
واختلف في سبب النزول على قولين:
الأول: في تحريم مارية القبطية رضي الله عنها،عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:( كانت حفصة وعائشة متحابتين وكانتا زوجتي النبي r ، فذهبت حفصة إلى أبيها، فتحدثت عنده، فأرسل النبي r إلى جاريته، فظلت معه في بيت حفصة، وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة، فرجعت حفصة، فوجدتهما في بيتها، فجعلت تنتظر خروجها، وغارت غيرة شديدة، فأخرج رسول الله r جاريته، ودخلت حفصة فقالت: قد رأيت من كان عندك، والله لقد سؤتني، فقال النبي r : والله لأرضينك فإني مسرٌّ إليك سرا فاحفظيه ، قالت: ما هو؟ قال:إني أشهدك أن سريتي هذه على حرام رضا لك، وكانت حفصة وعائشة تظاهران على نساء النبي r ، فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأسرت إليها أن أبشري إن النبي r قد حرَّم عليه فتاته، فلما أخبرت بسر النبي r أظهر الله U النبي r ، فأنزل الله على رسوله لما تظاهرتا عليه (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك)[1].
القول الثاني: في تحريم العسل، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:] كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا، فَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ عَلَى أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ[2]. إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ قَالَ: لَا وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا[[3].
وقد اختلف في الترجيح بين القولين،ذهب الطبري إلى جواز الأمرين .والذي يظهر الأول،لأن الحق سبحانه صرَّح أن سبب التحريم ،مرضاة أزواجه r ،وهذا يتحقق في القول الأول،وأما على فرض أنه العسل،فتحريمه لأجل رائحته،وليس لمرضاة أزواجه،والله تعالى أعلم.
وفي هذا أن الرسول r يعتريه ما يعتري البشر،من التأثرات البشرية،التي ليس لها مدخل في التشريع،ولا تتعارض مع منصب النبوة.
قوله تعالى: ] وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ لما استوجبه العتاب.

1) جامع البيان 12/149 والدر المنثور 6/367 وزاد المسير 8/302 وانظر الجامع لأحكام القرآن 18/178 وابن كثير 4/496

2) شجر له صمغ حلو الطعم،كريه الرائحة

3) صحيح البخاري،كتاب تفسير القرآن،باب قوله تعالى]يا أيها النبي لم تحرم ما أحلَّ لك [ 4/1865 رقم 4628